- Unknown
- 8:46 م
- مقالات
- لاتوجد تعليقات

فضاء داخل رحاب الكلية ، ليس حديقة مزهرة ولا فضاء أنيق، لا يعدو أن يكون كما اسمته العرب قديما " بيت الخلاء " ونسميه حاليا " بيت الراحة " انها المراحيض، هذا الفضاء – وخصوصا الخاص منه بالطلبة – يطرح للوالج إليه ألف سؤال، ليس حول قلة نظافته وترتيبه فحسب بل حول كتابات وخرباش ملأت جدرانه فلا تكاد تجد جدارا خاليا من حروف أو رموز أو رسوم معبرة وأحيانا إيحائية ، وقد يكون عند البعض أمر عادي تعودت العين على رؤيته وتعايش الطلبة مع هذه الظاهرة في المؤسسات التربوية عامة، لكن المثير للاهتمام داخل رحاب كلية الآداب خصوصا هي اعترافات كتبت خلف الأبواب الموصدة للمراحيض صويحباتها يستغثن بطلب النصيحة أو يتخلصن من حمولة نفسية ثقيلة لم يجدن أفضل من جدار المرحاض ليكون الأذن الصاغية إليهن، نصوص انشائية وقصص كتبت بسواد القلب وحمرة الفؤاد وحرقته تنتظر القارئ والمستقصي والمحلل.
" أحببت شابا لكنه بعد مرور أيام من علاقتنا اصبح ذا وجه آخر غير الذي عاهدته وانا لا استطيع مفارقته ، ارجوكم ، افيدوني..." بمثل هذه الاستغاثة او بغيرها واحيانا بنداء الى العموم كتب على جدار مراحيض الطالبات بلغة عربية فصيحة واحيانا ركيكة وفي مجملها تعكس حرقة قلب من خلال الكتابة خلف باب المرحاض ." انا فتاة احببت شابا وأحبني لكن بعد ان خطبني اكتشفت انه ملحد ففسخت الخطوبة، لكن مازلت احبه " كتبت احدى الطالبات على الجدار الداخلي للمرحاض لتتعدد الاعترافات والخربشات وتختلف في مضمونها لكنها تبقى في أغلبها عاطفية أو تتحدث عن الجنس.

عرضنا هذه الخربشات على اساتذة متخصصون في علم الاجتماع وعلم النفس والذين قدموا تحليلات تصب في مجملها على اعتبار الظاهرة حالة مرضية لا يعزو أن يعكس حالات نفسية متفاوتة لكنها متشابهة في مرجعيتها، تقول الاستاذة زبيدة شهبون : ( الكاتب على جدران المرحاض انسان محبط غير قادر على مواجهة الواقع وتلك الكتابات هي تمرير لخطابات وسط غياب متنفس للتعبير، فهو يعبر عن ذاته وأفكاره وأحاسيسه على الحائط من خلال تلك الخربشات والرسومات، وهي حالة مرضية تتدخل فيها التنشئة الاجتماعية المعتمدة أساسا على الخوف والتخويف مما يولد عدم القدرة على التعبير على الذات، وكذلك غياب التواصل الأسري وعدم الانصات للطفل وقمعه منذ الصغر، فهو قمع سياسي بالأساس يمارس عليه ) .
كما ربطت استاذة علم الاجتماع بجامعة ابن زهر مسألة الكتابات حول الجنس بالسن الحرجة لدى المراهق وغياب تربية جنسية داخل الاسرة ومعها الأقسام الدراسية طيلة مسيرة الشباب التعليمية، مذكرة العارفين أن الأسرة المغربية العريقة ومنذ القدم كان لديها وعي بضرورة التربية الجنسية وطبقت ذلك من خلال حوار الأم مع ابنتها وحديث الوالد مع ابنه وهما يهيئانهما للزواج المبكر. ثم أضافت في عجب من مسألة الاعترافات المكتوبة من طرف الطالبات على جدران المراحيض : ( الاحساس بالذنب أيضا يحضر اثناء الاعترافات على اعتبار أن "المذنبة" حسب عقول مجتمعاتنا هي الانثى و أنها المسؤولة والقادرة على كبح جماح الآخر باسم العار والشرف وأن المرأة سبب الاثارة فهي تتحمل المسؤولية كلها).
نفس الطرح أيدته الكاتبة الأنثروبولوجية غيثة الخياط حين أرجعت سبب الكتابات على جدار " بيت الراحة" هو انعدام حرية التعبير لدى الطالب فهو يترك علامات وأثر على مروره بالمكان الذي تواجد فيه ولأن الكتابة ستبقى وتخلد في مقابل أن ما يعبرعنه شفاهة حسب اعتقاده ليست لديه أهمية عند الآخرين لذلك يفكر في ترسيخها على جدار المرحاض، مضيفة في تحليلها: ( الشاب او الشابة حين يكتبون في بيت الراحة فان اشياء بداخلهم تتحرر لها علاقة بالجسد والجنس) مناشدة الشباب التخلي عن الغموض والصمت والتعبير عما يجول في دواخلهم بكل حرية.

طلبة جامعة ابن زهـــر كان لهم رأي في الظاهرة ، منهم من اعترف بها وابدى بعضا من اسبابها ومنهم من نفى جديتها وانها لا تعدو ان تكون ارهاصات شباب " طائش"، تقول احدى طالبات كلية الاداب : ( المراحيض من الأمكنة التي تستطيع أن تجلس فيها لوحدك ولا يقاسمك فيها أحد، فهناك من يحب الغناء بداخلها وأخر يفضل التدخين أو التأمل والتفكير ومنهم من يحبذ الرسم او التخطيط على الجدران وإفراغ مكبوتاته ، انه مكان مغلق ومحمي من تدخلات الآخرين ونظراتهم فهو المكان الذي تستطيع ان تجد فيه حريتك تفعل ما تشاء)، وتضيف أخرى : ( لا تنسى أن في مجتمعنا لدينا مشكلة مع الذات، فالانسان حين يلج المرحاض يصبح عاريا يستطيع ان يتعامل مع اعضائه وخصوصا جهازه التناسلي ومع جسده عموما بحرية مطلقة وهو حين يعكس احاسيسه وافكاره في المكان فانه يعلّم عليه – يضع علامة – ويحدد به فضاءه ويؤثثه بخربشاته الحرة ..).
خالد الباز شاب مجاز في علم النفس وطالب باحث بجامعة ابن زهر لم يستغرب الظاهرة وارجع سبب الخربشات في مراحيض الجامعة الى أنها مكان ضيق منزوي يوحي بالفضاء الأمثل للأشخاص الذين ليس لهم ثقة في أنفسهم وغير قادرين على البوح بأسرارهم وبعواطفهم التي اضطهدت من طرف الآخرين وأن لجوءهم لمثل ذاك المكان هو اعتراف منهم بأن ما يحملونه منبوذ وغير محترم بين الناس اذ يعتبرونه جزءا من الرذيلة ، ويتمم تحليله قائلا : ( فالإنسان حين يمارس عليه جزء من الاضطهاد والتعسف والعنف النفسي يخلف لديه ترسبات وانفعالات تحتاج للانفجار في لحظة معينة ، انه صراخ في لحظة، صراخ غير سليم امتزج فيه الخوف بالاعتراف ، يريدون التعبير ولا يستطيعونه في الوقت ذاته ولأنهم لم يجدوا مكانا للبوح فانهم يلجؤون ل " بيت الراحة" ) ويتابع خالد معمقا التحليل حين يتساءل عن سبب الكتابة أوالخربشة في مراحيض المؤسسات العمومية وليس في مراحيض المنازل او في أمكنة أخرى يقول: ( لأن هذه المراحيض هي ملك عام مشترك واللجوء اليه هو تعبير صارخ عن الضرر الذي أصابه وفي نفس الوقت يريد أن يعرف الجميع ما يخالجه دون أن تعرف هويته ، هو اعتراف في أمان تام ودون منغصات... انه ردة فعل ساخر عما يصيب الشخص من اضطهاد سياسي واجتماعي يمارس عليه ذكرا كان أو انثى مع الاحتفاظ بخصوصية كل واحد).
سعيد الطالب بكلية العلوم أقرّ بوجود رسومات على جدران مراحيض كليته وأنها في اغلبيتها صور تجسد أعضاء المرأة أو تدور حول موضوعها كما يقرّ بوجود رسومات أخرى لأعضاء الرجل التناسلية لا تبعد كثيرا عن أبيات شعرية أو شعارات سياسية وأرقام هواتف عاهرات نقشت على الحائط ، خليط يعتبره الطالب سعيد سببه الإعلام الذي لا يتطرق لمواضيع تهم الشباب وبالتالي فهؤلاء لا يجدون أمكنة تكون متنفسا لذواتهم ، مضيفا غياب استراتيجية تعليمية سليمة تتطرق لمواضيع التربية الجنسية مثلا.... أما الطالب حسن من كلية الحقوق والاقتصاد فقد أشار الى عبارات السب والشتم وعبارات محرجة التي تمتلئ بها جدران مراحيض كليته محيلا السبب الى العجز العاطفي والجنسي والذي يعاني منه الطلبة الذين يكتبونها ، في حين اعتبر الطالب رشيد من شعبة علم الاجتماع أن هذه الكتابات تعبر عن مكبوتات بداخل الطلبة ممتزجة بعدم القدرة على مواجهة الواقع بسبب ترسبات تعود الى المنظومة التعليمية التي تنهجها الدولة ومعها نقص التواصل داخل الاسرة مما يجعل الطالب " يختار مكانا يحقق فيه انفراديته مع ذاته ، ونصيحتي لمثل هؤلاء أن يلجؤوا في التعبير عن المسكوت عنه من خلال الكتابة على ورقة او التسجيل صوتا وليسمعوا لانفسهم وليقرأوا لها) .
الاستاذة شهبون اقترحت حلولا للظاهرة حين اعترفت بدور الاساتذة في عامل التأطير والتربية من خلال فتح قنوات تواصلية مع الطلبة على المستوى السياسي والاجتماعي، مضيفة ( مما أأكد عليه هو الدور المهم للأسرة والمدرسة في بدايات النشأة لدى كل واحد منا وفي المؤسسات التعليمية وجب توعية المربين بوجوب الحوار وفاعليته، كما ان الانشطة الثقافية لها دور أيضا في التنفيس على الطالب من حيث تربي فيه كيفية التفكير السليم وتعلمه آداب الحوار وآداب التدخل وترقى بالطالب وبمستواه الفكري والسلوكي).
ومهما تكن الحلول فان الظاهرة اليوم ما تزال في تزايد أمام غياب الوعي بها وبأهميتها في غياب تام لوسائل الاعلام ودورها في فتح قنوات التعبير الحر على ما يخالج الطلبة من أفكار وأحاسيس وانفتاحها على جميع الأطراف، ليظل الأمل قائما في بعض التجارب وان كانت جد محتشمة لكن آمال الطلبة ستكون كبيرة فيها ولما لا فتح مراكز للاستماع للطلبة تحقق الملاذ والمتنفس المنتظر لتنشئة شباب سليم خال من المكبوتات .
تحقيق من انجاز : شهيدة الخواجة / حسين داوود
عن الكاتب : طلبة العلوم الإقتصادية
المركز الجامعي بكلميم
هـــده المدونة التي أنت عليهــا الأن مــاهي إلا مجتمــع لجمع كل مايخض الطــالب بالمركز الجامعي بكلميم او باقي كليات المملكة الخاصة بشعبة الإقتصاد ففيها نسعى لتقريب الطالب ودالك من خلال (نشر محاضــرات و دروس و أخر المــستجدات و كــدالك نتائج الطلبة و الوائــح الخاصة بهم ) إلى غيرها من أوجه المساعدة و الإرشــاد.
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق